إكرام لمعي
هل يفضل الغرب حكم الإسلاميين في بلادنا
هناك كثيرون من أعضاء الكونجرس يلتزمون بحضور الكنيسة صباح الأحد مثل أعضاء مجلس الشعب والشورى والوزراء فى مصر عندما يصلون الجمعة حاضر وعادة ما يرحب راعى الكنيسة بهم ويدعوهم على الغذاء بعد انتهاء الاجتماع، فى ذات الوقت يحاول راعى الكنيسة أن يختار من الحاضرين من هو قادر على الحوار مع رجال الكونجرس فى الأمور التى تهمه، فمثلا إذا كان عضو الكونجرس من المهتمين بالاقتصاد يجمع معه من لديهم ثقافة اقتصادية أو من لديهم مشاريع ضخمة (اقتصاديون)، وإذا كان من المهتمين بأمريكا اللاتينية يبحث عن ضيف قادم من البرازيل أوالمكسيك ويجلسه معهم.. وهكذا ومنذ أسابيع قليلة كنت فى زيارة سريعة للولايات المتحدة، ودعانى صديق للصلاة بالكنيسة التابع لها، وإذا بالراعى يرحب بعضو كونجرس قديم يهتم بالشرق الأوسط وكان الحديث فى ذلك الوقت عن جلسة استماع عقدها الكونجرس عن حال الأقباط فى مصر، تحدثوا فيها عن اضطهاد الأقباط وتحجيمهم أكثر بعد ثورة 25 يناير وزيادة العنف ضدهم، ثم رحب الراعى بوجودى، فى سياق حديثه عن جلسة الاستماع الخاصة بأقباط مصر دعانى للجلوس معهما (الراعى، عضو الكونجرس) على الغذاء وعلى مائدة الغذاء فاجأنى عضو الكونجرس بالقول هل تعلم يا سيدى أن حل مصر بمسلميها ومسيحييها هى حكم إسلامى معتدل وعندما رفعت حاجبى متعجبا فاغرا فمى، ضحك بشدة وقال سوف أقدم لك تفسيرا وتحليلا واضحا لما أقول، قلت كلى آذان صاغية وبعد أن شرب جرعة ماء باستمتاع ابتسم، وهو يقول حكم الإسلاميين فى مصر يريح الغرب ويريح المسيحيين لعدة أسباب:
أولا: إن حكومة الإسلاميين من أكثر الحكومات التى يمكن التعامل معها بسهولة.
فهؤلاء الحكام هم بالطبع أصحاب أيديولوجية أو عقيدة محددة الأبعاد، ونحن نعرف دوافع قراراتهم قبل أن يتخذوها، ونتوقع ردود أفعالهم بمنتهى البساطة، لذلك من السهل جدا أن تتعامل معهم ونأخذ منهم ما نريد، إن أكثر الحكومات انسجاما مع الغرب هى حكومات الخليج بل إن هذه البلاد تمتلئ بالقواعد الغربية، وأموالها تصب فى الغرب مما يجعل الاقتصاد الغربى ينتعش، هذا من ناحية، من الناحية الأخرى تجد حكومة طالبان فى أفغانستان والبشير فى السودان ومن قبله النميرى، بل حتى حكم نجاد فى إيران، وهنية فى غزة وحسن نصر الله فى لبنان، كل هؤلاء أوراقهم مكشوفة، وسهلة، ولا يتقنون الفعل السياسى، لأنهم مرتبطون بأيديولوجية تمنعهم من المناورة، بل هم يجدون أنفسهم فى تحديهم للغرب علنا، فهذا سر شعبيتهم وقد بنوا شرعيتهم على ذلك، لكنهم فى نفس الوقت، هم يعلمون جيدا أن هناك تفاهمات كثيرة وواضحة بينهم وبين الغرب لا يستطيعون العيش بدونها لذلك من السهل جدا التعامل معهم.
ثانيا: لأن الحكومات الإسلامية أساتذة فى صنع الأعداء:
فقد أثبت التاريخ أن الحكومات الإسلامية تصنع الأعداء بحرفية شديدة، فالإسلاميون متعددو المذاهب والمشارب والاتجاهات، وبمجرد أن يحكم أحد هذه الاتجاهات سوف تجد أتباع الاتجاهات الأخرى يناصبونه العداء بل ويكفرونه فيجهدونه تماما، هذا فضلا عن استعداء العالم كله، أى أن الحاكم الإسلامى يصنع لنفسه أعداء داخليا وخارجيا والنموذج الواضح لهذا عمر البشير الذى قسم السودان إلى شمالى وجنوبى، وهو مستمر الآن فى تقسيم باقى السودان الذى يحكمه، ومطلوب القبض عليه من المحكمة الجنائية الدولية كمجرم حرب وأنظر إلى إيران التى استعّدت العالم العربى والغربى عليها، ونحن نعلم أن صنع إيران لقنبلة لن تستكملة قبل عدة سنوات، لكن الفراغ السياسى ومغازلة المشاعر الدينية للجماهير هو الدافع الأساسى هنا، هل تذكر ما فعلته حكومة طالبان، ألم تدمر تمثالى بوذا الأثرى، وظهرت الحكومة الإسلامية وكأنها تعيش خارج الزمن مما يسهل هزيمتها، وكذلك عدم تعاطف العالم معها عندما رفضوا تسليم بن لادن، هذا الوضع مريح جدا لأمريكا وإسرائيل، لأن العالم كله يعادى مثل هؤلاء، لذلك يجعلوننا وإسرائيل نردد ما يقوله العالم، ولا نقف وحيدين فى معاداتنا لهم، فنشعر براحة شديدة فى القول والحركة.
ثالثا: لأن إسرائيل دولة دينية بحكومة علمانية فهى نموذج يجب أن تقتدى به الدول العربية:
ولأن إسرائيل دولة دينية مثلها مثل إيران والسودان والسعودية.. إلخ دائما ما تتم المقارنة بينهم، وعادة ما تكون النتيجة فى صالح إسرائيل، إن محاولات نتنياهو بتسويق فكرة يهودية الدولة الإسرائيلية على الصعيد العالمى بالإضافة إلى وعد وزير العدل الإسرائيلى لإعادة المجد الماضى بإدخال قوانين التوراة تدريجيا إلى المجتمع الإسرائيلى وتحويل الشريعة اليهودية إلى القانون الملزم فى دولة إسرائيل، كون أن التوراة تحتوى على حل كامل لكل الأسئلة المطروحة فى المجتمع الإسرائيلى، كل ذلك التركيز على الدين لا ينقص من لمعان إسرائيل كواحة للديمقراطية فى الشرق الأوسط، وبالمقارنة لا يوجد فصل للدين عن الدولة فى أى دولة من دول الشرق الأوسط العشرين، 17 دولة من العشرين تنص على أن دينها الإسلام، 19 دولة تمنع الدعوة بأى دين آخر غير الإسلام، 14دولة تجرم تغيير المعتقد، 12 دولة تمنع نشر كتب الأقليات وجماعات دينية، 15دولة تمنع وجود أحزاب دينية، 10 دول تلاحق القيادات الأصولية، 6 دول تمنع دين الأقليات ودولة واحدة لا تسمح بدين لأى مجموعة أخرى، إن مثل هذه الإحصاءات تنشر يوميا فى الغرب لكى توضح كيف أن إسرائيل تجمع بين مجتمع دينى متشدد وحكومة علمانية كنموذج ديمقراطى مقارنة بنظم الحكم فى الدول العربية فالدول التى تحكمها عائلات مالكة أو رؤساء جمهوريات (عربية قوية) أخذت فى الانزلاق رويدا رويدا، وراحت تلبس ثوبا شرعيا دينيا يتناقض مع مفاهيم الحريات وحقوق الإنسان ومواثيقه وما حلمت به الحركات الدينية الإسلامية حققته الدولة القطرية، ومن ناحية أخرى لم ترفض الحركات الدينية بأن يقتصر دورها على الدعوة بل راحت رويدا رويدا تتطلع للحكم وتحلم بالسيطرة وتحارب من أجلها، وهو ما يحدث الآن فى مصر وليبيا وسوريا بل وفى بعض الأحيان تستولى عليها تارة بصناديق الاقتراع، كما فى حالة تونس وتارة أخرى بانقلاب عسكرى كالسودان وغزة، وكل هذه أمور مقبولة من الغرب لأن هذه البلاد أمامها سنوات لتلحق بركب الحضارة، وحتى يأتى الوقت الذى فيه تصل سوف تكون غير قادرة على تحقيق شىء له قيمة بل ستظل دائما طالبة العون من الغرب سواء من الناحية العسكرية أوالاقتصادية أو السياسية.
رابعا: وجود حكومات إسلامية يشجع الإسلاميين على العودة من الغرب ويغلق أبواب الهجرة فى وجوههم:
يستكمل عضو الكونجرس حديثة دون مقاطعة منى، قائلا: لقد تعبنا من وجود الإسلاميين المتطرفين فى بلادنا،لقد كنا نراهن على الجيل الثانى والثالث من المهاجرين المسلمين بأنهم سوف ينصهرون فى بوتقة الانصهار الأمريكى أعنى يتأمركون، لكن هذا لم يحدث،وقد ظهر إرهابيون مولودون فى أمريكا وأوروبا مثل العولقى وغيره الكثير وبوجود حكومات إسلامية هرع الإسلاميون فى العودة إلى بلدانهم سواء من كانوا فى أفغانستان أوفى أوروبا وأمريكا، وهذا سوف يزيح عبئا ثقيلا من على كواهلنا، ذلك لأن هؤلاء لم يقبلوا الحضارة الغربية ولم يتجاوبوا معها، وقد حصلوا على إقامة فى بلادنا، ولم يحصلوا بعد على الجنسية الأمريكية أو الأوروبية، وبالتالى قام الكثير منهم بالعودة إلى الدول التى قامت بها ثورات ليساهموا فى الحكم الإسلامى، وكذلك بعض الحاصلين على الجنسية فعلوا نفس الشىء، وهذا بالنسبة لنا إنجازا عظيما، أما من الجانب الآخر فإن وجود حكومة إسلامية سوف يعطينا مبررا مقنعا فى عدم قبول لاجئين سياسيين جُدد من البلدان العربية والإسلامية، فهؤلاء كنا نقبلهم بسبب اضطهاد وتعذيب حكوماتهم لهم تأكيدا لحقوق الإنسان، وكنا نعطيهم الجنسية على اساس اللجوء الدينى والسياسى، ولكن بوجود حكومة دينية سقط مبرر طلبات اللجوء الدينى والسياسى للعالم الغربى، وهذا سوف يعطينا الفرصة لكى نتنفس الصعداء.
بعد أن انتهى عضو الكونجرس من حديثه نظر إلى عينى مبتسما فوجد أن علامات الامتعاض ما زالت على وجهى، فسألنى قائلا: ما رأيك فى هذا التحليل؟!
قلت: هو منطقى لكنه غير مريح سألنى لماذا؟ قلت لأن الموقف الرسمى التى تعبر عنه هيلارى كلينتون عكس ذلك، وتبدو وكأنها لا تريد حكومات إسلامية فى الوطن العربى. قال: هذه هى السياسة ياسيدى. قلت: لا أعلم من نصدق ولا نحتاج لأن نصدق أحدا،نحتاج أن نحدد مصيرنا بأيدينا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق