الإعتماد علي النفس عامل ضروري في تطوير العشوائيات
الجزء الأول
يمثل الإعتماد على النفس في مجال تنمية الموارد المجتمعية أكثر مما يعتقد أو يظن البعض ، فهو ليس مجرد أسلوب يستخدمه الفرد أو المجتمع للتحسين أو التطوير، بل هو قيمة في حياة الأفراد و المجتمعات تدفعهم لتعبئة و بذل الجهود الفردية و الجماعية لإستخدام الموارد المتاحة و الممكنة بأقصى درجات الكفاءة لتحقيق أو دعم الأهداف المطلوبة .
و الإعتماد على النفس عندما يكون هو الوسيلة أو الإستراتيجية الرئيسية لتحقيق أو بلوغ الأهداف ، فهو يعني أننا نستمد الإنجاز المباشر من قوى حقيقية ظاهرة و كامنة تولد قوة دافعة للوصول إلى مراحل و أهداف متتالية و متنامية ، و عندما يُسخر الفرد أو المجتمع إمكاناته و موارده الحقيقية لتحقيق أهدافه ، فإنه يستطيع أن يحقق الإبتكار والإبداع الذاتي و تقديم طرق و مستويات أفضل للعمل .
و ليس المقصود - كما كان يُعتقد قديماً أن الإعتماد على النفس يعني العمل الفردي أو الفردية بما يحمله هذا المضمون من جواز إستغلال إمكانات و موارد الآخرين وسلب المميزات و المنافع منهم و التفوق عليهم . و لكن فكرة الإعتماد على النفس هي نقيض ذلك ، فهي مفهوم يهدف إلى الإستخدام الصحيح لموارد الأفراد و المجتمع عن طريق التحفيز و التعبئة لتحقيق أفضل النتائج و الوصول إلى قمة الممكن و الهروب من قاع المستحيل .
و لكن هل يُعتبر الإعتماد على النفس مفهوماً جديداً ؟
ولدت فكرة الإعتماد على النفس مُنذ بدء الخليقة ، حيث كانت تغلب صور و أساليب الحياة الفردية ، و اعتمد الإنسان على التجربة و الخطأ و تكرار المحاولة للوصول إلى الأشكال المعقولة و المميزة فيما يتعلق بالإساسيات المطلوبة له لكي يستمر حياً .
و كانت الفردية في البداية أكثر تأثيراً حيث كان المجتمع يحترم الأقوى و يخضع له لأنه يمتلك القدرة على العطاء ، و كان مفهوم القدرة أو العطاء هو ما يملكه من قوة عضلية و مادية ، إلا أنه مع تطور المجتمعات البدائية و من خلال ممارسات الإنسان استطاع الإنسان أن يطور فكرة الإعتماد على النفس بصورة أفضل ، حيث لم يعد يعتمد على قوته البدنية فقط ، و لكن ظهرت أهمية إستخدام عقله و فكره و إن لم يكونا في نفس قوته العضلية.
و تنامت فكرة اللجوء للعمل لصالح الفرد في المناطق العشوائية ، وفي نفس الوقت العمل بروح الفريق لصالح الجماعة ، و لذلك ظهرت أفكار الزراعة و الصيد و الإنتاج الجماعية ،و إتخذتها كثير من المجتمعات وسيلة لتحقيق تقدم و نمو سريع.
و قد أيدت الديانات السماوية و دعمت فكرة الإعتماد على النفس كقيمة إنسانية كبيرة ، بحيث تكون في صالح البشرية و ألا تتحول إلى أداة للإستغلال. و قد عانت البشرية كثيراً من أساليب القهر و العبودية حيث كانت أداة هذه القوى السيئة هي قتل روح الإعتماد على النفس في المناطق المتخلفة ( العشوائية ) و التي يمارس فيها الإستغلال المجتمعي والسياسي سطوته، و لذلك عمل على قتل روح الفريق التي ندرك أهميتها وشدة حاجتها لها و هي ما كانت تنادي به تحت عنوان الحرية والإستقلال.
و مازالت هناك بعض القنابل الموقوتة التي تهدد إعتماد الناس على أنفسهم و هي التي خلفتها نُظم الإستغلال السابقة حيث زرعت بذور التفرقة و الصراع بين الفئات والمجموعات والإجناس والأديان مما ساعد على تحطيم قدراتها و إمكاناتها و التي كانت أساساً للتوجه نحو الإعتماد على النفس.
الإعتماد على النفس ليس هدفاً في حد ذاته ، و لكنه إتجاه يرتبط بالقيم والمعتقدات السائدة في المجتمع و هو يُعبر عن إمكانات الفرد و الجماعة . وترتبط النتائج بمدى الإيمان و مقدار السعي من خلاله لتحقيق الأهداف .
والي البقية في القريب
دكتور محمد عبد الغني هلال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق