الأحد، 19 يونيو 2011

الهبوط الحاد في لغة الحوار بل واستخدام الفاظ بذيئه تنم عن بيئه أو نشأه هابطه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله , وعلى آله وصحبه , أما بعد :

مادفعني للكتابه في هذا الموضوع هو ذلك الهبوط الحاد في لغة الحوار بل واستخدام الفاظ بذيئه تنم عن بيئه أو نشأه هابطه

فقد تأملت في حال المهاترات والملاسنات التى تقع كثيراً في المحاورات على صفحات ( الأنترنت ), فرأيت أن غالبها يرجع إلى أن الأطراف المتحاورة, قد ضيَّعت أصول الحوار والأدب في النقاش , فاستعنتُ بالله عزَّ وجلَّ على تدوين بعض الأصول في آداب النقاش والمحاورة, لتكون شعلةً مضيئةً في طريق الحوار الهادف البنَّاء , وما توفيقي إلا بالله, عليه أتوكل وإليه أُنيب .



فدونك – أيها الأخُ الحبيب – هذه الأصول , مع نصيحتي إليك أن تلتزمها في كل محاورة, ولو لم يلتزمها الطرفُ الذي تحاوره, فإنك إنْ فعلتَ ذلك فأنت الرابحُ في الحقيقة .



الأصل الأول :

الغايةُ من الحوار, هو الوصولُ إلى الحق , وليس الانتصار للرأي .

ولمَّا كان كثير من هؤلاء المتحاورين والمتجادلين في ( الأنترنت ), في القنوات, همُّه أن ينتصر لرأيه وأن يظهر على خصمه, رأيت العنادَ والمكابرةَ وبَطَرَ الحقِّ, ما يحوِّل المناظرةَ إلى جدل عقيم ومناقشة تافهة !

ومن الأقوال المشهورة عن الإمام الشافعي – رحمه الله – قوله : " ما ناظرت أحداً إلا لم أبال : بيَّن الله الحق على لساني, أو لسانه " . ( حلية الأولياء 9/188 )

لأن الحق عند هؤلاء الأئمة هو الغاية المقصودة والضالة المنشودة, وليس الانتصار للرأي ومغالبة الخصوم .



الأصل الثاني :

العنايةُ بالعلم والتأصيل وعرض الحجج, مع الإعراض عن السفاهة والبذاءة , فإن كثيراً من المتحاورين , إذا عَجَز عن مجاراة خصمه لجأ إلى الشتم والقذف ورمي التُّهم والدخول في المقاصد والنيات , علماً بأن بيان قصد القائل لا بأس به إذا أثبت المحاورُ الدليلَ على أن قصد محاوره كذا وكذا , أما الدخول في المقاصد والنيات رأساً وعجزاً عن مقارعة الحجة بالحجة فهو دليل العجز والإفلاس .



الأصل الثالث :

لا يُناظر أو يُحاور إلا العالم أو طالب العلم , أما الجاهل, فليس من أهل المناظرة ولا المحاورة, لافتقاره للأصول والقواعد العلمية التي يتحاكم إليها المتناظرون . كما لا يُناظر – أيضاً – من لم تكتمل أهليته العلمية؛ من أنصاف المتعلمين , أو غير المتخصصين, فالطبيب لا يُحاور في المسائل الشرعية, والصحفي لا يُناقش – بفتح القاف وكسرها – في الأمور الفقهية, واللغوي لا يحاور في المسائل الطبية أو السياسية . . .



الأصل الرابع :

تعيينُ أصلٍ عامٍ يُرجع إليه عند الخلاف , وبهذا تسير المناظرةُ مساراً صحيحاً , ويصل الطرفان إلى الحق فيما تناظرا فيه . أما إن كانت أصول المتناظرين مختلفة فمحال أن يصلوا إلى رأي يتفقان عليه . ومن هنا كانت مناظرة أهل البدع عبارةً عن جدل عقيم ؛ لأن أصول أهل البدع تخالف أصولَ أهل السنة , فالرافضي الذي يطعن في القرآن, ولا يُؤمن بالسنة ولا بالحديث إلا حديثاً يُروي من طريق أهل البيت – بزعمه – كيف يناظر ؟ وكيف نحاكمه بالأصول وهو لا يؤمن بها ؟ ولهذا حذَّر السلف من مناظرة المبتدعة ؛ لأن المبتدع قد يَضُرُّ السنيَّ بشبهاته, والسنيُّ لا يفيد المبتدع بعلومه وإفاداته .



الأصل الخامس :

قطعُ المناظرة إذا وصلت إلى طريق مسدود . فبقاءُ الحوار بعد انغلاق الأفكار, ضياعٌ للوقت وإهدارٌ للجهد .



الأصل السادس :

عدمُ الخروج عن قضية النقاش , فقد يكون الخروج عن مدار البحث وموضوع الحوار, نوعاً من الهروب, وضعفاً في المواجهة .



الأصل السابع :

إقامة الدليل وحده لا يكفي, بل لابد من الإجابة على دليل الخصم , فكما أنه يلزمُ المناظرَ أن يقيم الدليل على صحة رأيه, يلزمه – أيضاً - أن يجيب عن أدلة الطرف الآخر, أجوبةً مقنعةً, وليست تعسفيةً



الأصل الثامن :

توجيه النقد إلى القول لا إلى القائل ؛ فلا يُعيَّر المحاورُ محاوره بصغر سنه أو قلة علمه أو ضعف مؤهلاته وشهاداته , أو بأحد من شيوخه , أو بمواقفَ له سابقةٍ ليست لها علاقةٌ بموضوع الحوار . أو يفخرُ عليه بشهادته أو مشيخته أو منصبه أو تخصصه , فكل ذلك لا يغني من الحق شيئاً .



الأصل التاسع :

التزام الأدب أثناء الحوار, إن كان حواراً شفاهياً ؛ فلا رفعَ للصوت, ولا مقاطعةَ للكلام, ولا تحديقَ بالعين, كأنه يتطايرُ منها شرر, ولا تجريحَ بالعبارات, ولا تشنج في طرح المسائل والموضوعات .

هذا, ومن كان فاقداً للحلم سريعَ الغضب ضيقَ الصدر, فليتجنب المناظرات الشفاهية , فقد يُغلب فيها من كانت هذه حالته, لا لضعف حجته, بل لغضبه وتشنجه الذي أفقده اتزانه وإدلاءَه بحجته على الوجه المطلوب . وكم من ضعيف الحجة استطال بهدوئه ورباطة جأشه على خصمه المضطرب المتشنج .



الأصل العاشر :

الرجوعُ إلى الحق خير من التمادي في الباطل ؛ فمتى ظهر للمحاور صحةُ قول خصمه, وقوةُ دليله, فيجبُ عليه أن ينقاد للحق ويقبلَ به, ويقرَ لخصمه بذلك , بل ويشكره على ما بين له من الحق الذي يجب اتباعه, والباطل الذي يجب اجتنابه .

قال الإمام الشافعي – رحمه الله - : ما أوردتُ الحقَّ والحجةَ على أحد فقبلها مني إلا هبتُهُ واعتقدتُ مودتَه. ولا كابرني أحدٌ على الحق ودفع الحجة الصحيحة إلا سقط من عيني ورفضتُ/ )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق